أطلق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خطابًا جديدًا يتعلق بالعلاقات مع العديد من الدول في القارة الإفريقية وخاصة دول المغرب العربي، ولاحظ المراقبون إنتقاداته المتباينة والمتناقضة. وعلى الرغم من إعترافه بتدهور العلاقات، إلا أنه نفى مسؤولية بلاده في هذا السياق، حيث وصف ماكرون هذه الدول، بما في ذلك المغرب، بأنها تعاني من أزمة تنظيم، مما أثار إستفهامات حول نوعية الدور الفعلي لفرنسا في هذا التطور.
خلفت تصريحات ماكرون إنتقادات كثيرة في المغرب، والتي أدلى بها خلال لقائه السنوي مع سفراء فرنسا، والذي جرى يوم الإثنين. خلال هذا اللقاء، قدم الرئيس الفرنسي وجهة نظره حول السياسة الخارجية لبلاده، وهي وجهة نظر تواجه إنتقادات واسعة داخل الساحة السياسية في فرنسا نفسها، حيث إنتقد بعض الساسة بشدة فشل ماكرون في الحفاظ على علاقات ودية مع دول المغرب العربي، معتبرين ذلك خرقًا للتوجهات السابقة وتدهورًا في العلاقات الثنائية.
بالمجمل، أثار خطاب ماكرون تساؤلات حول توجهات السياسة الخارجية الفرنسية وتعاملها مع الشركاء المغاربيين والإفريقيين، خاصةً في ضوء تطورات العلاقات مع المغرب وغيرها من الدول الإفريقية.
لم يكن ماكرون، وهو يدلي بتصريحاته التي تزامنت مع الإنقلاب العسكري في النيجر، أن إنقلابا مفاجئا آخر في الطريق، هذه المرة في الغابون التي لا يتجاوز عدد سكانها المليونين والغنية بالنفط واليورانيوم في وقت يعمها الفقر.
وقد كان عمر بونغو أونديما رئيس جمهورية الغابون من عام 1967 حتى وفاته عام 2009، من أطول الحكام حكمًا في أفريقيا، وقد حكم البلاد لفترة أطول من جميع رؤساء الدول السابقين مجتمعين، وقد دعمت فرنسا بونغو الذي حكم بقبضة حديدية، بشدة طوال فترة حكمه. كما كانت فرنسا أكبر داعم للغابون سياسيًا، وكانت ترى في بونغو حليفًا مهمًا في المنطقة.
كان هناك عدد من الأسباب لدعم فرنسا لبونغو الأب وبعده الإبن، علي بونغو أولاً، كانت فرنسا ترى في بونغو ضمانًا للإستقرار في الغابون، حيث كانت فرنسا قلقة من أن الفوضى في الغابون يمكن أن تؤدي إلى إضطرابات في المنطقة، والتي يمكن أن تؤثر على مصالحها الاقتصادية.
ثانيًا، كانت فرنسا تستفيد من ثروات الغابون الطبيعية، وخاصة النفط. وإن كانت الصين تعتبر أول مستثمر في البلاد، غير أن فرنسا هي واحدة من أكبر مستوردي النفط من الغابون، وكانت ترى في علي بونغو كما رأت في والده، حليفًا مهمًا لضمان إستمرار تدفق النفط. وقد عمته بونغو بعدة طرق سواء في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية الأخرى. كما ساعدت فرنسا بونغو في قمع المعارضة الداخلية وفي تقوية أجهزة مخابراته.
وفي هذه اللحظة العصيبة، التي تمتحن فيها العلاقات بين فرنسا والغابون، في وقت بدأت تفقد فيه باريس جاذبيتها في البلدان الفرانكفونية الـ26 جنوب الصحراء الأفريقية، هاجم موقع “هيسبريس” المقرب من السلطات المغربية، الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، معتبرا أن “سفراء بلاده الذين لا تقل عزلتهم في السفارات عن عزلة باريس الخارجية”.
وإتهم الموقع، ماكرون بأنه يرمي بـ”كلمات تزيد من تعقيد وضع السياسة الخارجية لفرنسا في القارة الإفريقية”، إذ رفض كذلك سحب سفيره لدى النيجر وعدم الإمتثال لطلب سلطات الإنقلاب، ملمحا إلى إستعداد جيشه للرد.
ووصف محللون مغاربة، ماكرون بأنه يفتقد لـ”رؤية إستراتيجية ديبلوماسية واضحة تجاه المغرب والجزائر”، وأنه في خضم “عدم الوضوح” أعلن ماكرون عزمه القيام بـ”مبادرات تحت سلطة وزارة الخارجية للرقي بالعلاقات مع دول المغرب العربي”.
وفي سياق مستمر من التجاهل للقضايا الجوهرية التي تعوق تحقيق الانسجام، أشارت الصحيفة إلى أن ماكرون لا يزال يتجاهل تلك المشكلات الجوهرية. ومن بين هذه المشكلات، تبرز على سطح الأحداث قضية الوضوح في الملف المتعلق بالصحراء الغربية، فضلاً عن مسألة التصالح مع الماضي الجزائري، وتفاديه لمعالجة ملفات أخرى مهمة، والتي تشهد بوضوح على تصميم فرنسا العنيد.
في سياق الأحداث، أظهرت تفسيرات لبعض المتابعين لخطاب ماكرون الأخير إشارات سلبية تجاه القارة الإفريقية، وأشاروا إلى وجود فشل كبير في إستراتيجيته في السياسة الخارجية.
وفي هذا الصدد، يُلاحظ أن اللغة المستخدمة في الخطاب ما زالت تنطوي على أفكار تُذكِّر بالإستعمار، وظهر ذلك بشكل واضح في تعامله مع النيجر، حيث قام بدعم تدخل إيكواس العسكري ورفض طلب سحب السفير من هذه الدولة.
وقد أثارت تصريحات ماكرون بشأن وضع دول شمال إفريقيا المتأزم وتأثير “ظروف التنظيم الصعبة التي تعيشها”، تساؤلات جديدة حول الجهة التي ساهمت في تفاقم هذه الأزمة. ويجدر بالذكر أن هناك إتفاق عام على أن الإستعمار الفرنسي يمثل السبب الرئيسي لهذه الأوضاع المعقدة، وهو ما يُفسح المجال لإعادة التفكير في جذور هذه الأزمات.