صدر كتاب الإسلام السياسي بين التكفير والإسلاموفوبيا ( أفكار ووقائع من أجل فهم الظاهرة ) للكاتب التونسي والباحث في علم الإجتماع الدكتور عبد الرحمان المرساني منذ أسابيع عن دار الكتاب بتونس في نسخته الأولى ( 2023 ) ، وقد أهدى الكاتب كتابه هذا مناصفة بين الوزير السابق الدكتور أحمد فريعة ، رئيس المنتدى التونسي للمعرفة والتنمية البشرية ، وإبن الكاتب الشاب طلال المرساني .
وقد تناول الكاتب ظاهرة الاسلام السياسي في علاقتها بمسألتين هامتين :
ــ المسألة الأولى هي مسألة التكفير .
ــ المسألة الثانية ظاهرة الإسلاموفوبيا .
وقد ناقش هاتين المسألتين وعلاقة الإسلام السياسي بهما ضمن خمسة أبواب فرّعها إلى عدد من الفصول ، أجاب فيها الكاتب عن إشكالية العلاقة التي تربط بين الإسلام السياسي بظاهرتي التكفير والإسلاموفوبيا ، وكيف أثّر ذلك على الواقع العربي المعاصر ممارسات ونتائج .
وضمن هذا الاطار بيّن الكاتب أن أهم ما ميّز العشرية الأولى والثانية من الألفية الجديدة ، تنامي ظاهرتي العنف المقترن بممارسات الحركات الإسلامية والتكفير الذي تمارسه الحركات نفسها بشكل يستدعي من الباحث الدارس لتاريخ الاسلام السياسي أن يستعمل أدوات التحليل العلمي لفهم الخطاب السياسي لهذه الحركات الإسلامية .
وقد إعتمد الكاتب في بحث ظاهرة الإسلام السياسي عبر علاقة الدين بالسياسة وكيف تم توظيف الدين الاسلامي والتجمعات الإسلامية كحلف يتوفر على القداسة ضد الشيوعيّة ، وكذلك ضدّ الإيدولوجيا القومية واليسارية من أجل الدفاع عن الإسلام وفي مواجهة خطره في الآن نفسه ، وأن هذا الحلف أسس لإقامة جبهة واحدة مع القوى المسيحية .
كما بين الكاتب كيفية توظيف الشرعية الدينية لإستمرار سلطان الحكم بشكل تاريخي في الحضارة العربية الإسلامية وصولا إلى يومنا هذا ، مبيّنا أن خطاب العلمنة أسيئ فهمه من قبل الجمهور العريض للمسلمين وخاصّة الشعوب العربية .
الفصل الثالث من الباب الأول فقد أفرده الكاتب للحديث عن مواطن الإختلاف بين الدين الشعبي والدين الرسمي ، مركّزا على ظاهرة الأوليّاء الصالحين في عنصر أول وتأصيل هذه المسألة في عنصر ثاني والتي تتجسّد في مجال الطرق الصوفية كمظهر أصيل من مظاهر التديّن الشعبي ولعبت دورا واضحا في التأثير السياسي في المجتمع التقليدي .
ثم تطرّق الكاتب إلى دور الدين في مسألة التّغيير شارحا المسألة من زاوية تاريخية ،مبيّنا كيف ساهمت التنظيمات الدينية كمظهر من مظاهر الإسلام السياسي في بداية القرن العشرين في تأسيس دول عديدة في العالم العربي ، كالوهابية في شبه الجزيرة العربية والمهدية في السودان ، والسنوسية في ليبيا ، وكل هذه الحركات تدعو إلى أسلمة المجتمع وإعتماد الدين الإسلامي كأداة للحكم بإعتبار أن الإسلام دين ودولة .
ثم طرح الكاتب في الباب الثاني إشكالية هامة وهي الخطاب التحريضي للإسلام السياسي بصورة عامة متسائلا ، هل للدين جماعة تنطق بإسمه ؟ وذلك إنطلاقا من ظاهرة الخطاب الديني المنفلت للجماعات الإسلامية التي إنطلقت من المسألة الدعويّة إلى طلب السلطة وبناء دولة الخلافة من جديد ، وضمن هذا المجال تعرّض الكاتب إلى تجارب الإسلام السياسي بعد موجة الربيع العربي .
أما الباب الثالث فقد خصّصه الكاتب للحديث عن المرجعية الفكرية لتنظيم الإخوان المسلمين وتأثير كتابات سيّد قطب في تشكيل التيّارات الجهادية التي كان لها تأثير كبير في زعزعة أمن الكثير من المجتمعات العربية ، مبيّنا علاقة حركة الإخوان المسلمين بمسألة التكفير، مقارنا ضمن هذا المجال بأفكار كل من سيّد قطب وأفكار حسن البنّا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر ومسألة الحاكمية .
أما الباب الرابع فقد خصصه الكاتب للحديث عن التكفير والإسلاموفوبيا حيث تعرض إلى شرح معنى التكفير وأسبابه والسياقات العامة لظهوره في القرن الماضي ،وإنتشار مظاهر التكفير بشكل لافت بعد موجة الربيع العربي ، مبينا أن تكفير الجماعات الإسلامية للأفراد والمجتمعات نابع من منطلقات سياسية ذات إتصال بقضية الإمامة والخلافة ولا علاقة لها بالمسألة الدينية بما هي إيمان وعقيدة ، ولا أدلّ على ذلك تكفير هذه الجماعات لمسلمين يحملون نفس عقيدتهم ، وهي مسألة قديمة تعود إلى عصر ما بعد وفاة الرسول ، والخلاف بين علي ومعاوية ، الذي هو بالأساس خلاف سياسي تم تلبيسه بلباس ديني مذهبي نتج عنه تكفير الصحابة لبعضهم البعض .
الباب الخامس فقد خصصه الكاتب للبعد الفقهي لظاهرة التكفير لدى الجماعات المتطرفة مبينا أن هذه الجماعات تستند في تكفيرها للمسلمين على حديث الفرقة الناجية ، وهو حديث معروف منسوب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي يمثّل المتن الفقهي الذي تستند إليه فتاوي التكفير والعنف المقدّس الذي يؤسس لإدارة التوحش وهي عناصر ومظاهر للفكر الارهابي الذي يتغذى على الصراعات ،وقد لمسنا نتائجها خاصة في سوريا وليبيا …
الكتاب تضمن أهم فتاوى التكفير من ضمنها فتوى يوسف القرضاوي بتكفير الزعيم معمر القذافي وإستباحة دمه على الهواء مباشرة في قناة الجزيرة القطرية ، وفتاويه الأخرى التي تدعو للكراهية ، والفتوى الصادرة عن مؤتمر علماء المسلمين لنصرة سوريا .
يعتبر الكتاب هامّا من الناحية العلمية والتوثيقية والسياسية .