نعم المصالحة الوطنية ضرورية جداً ولكن المصالحة السياسية لها آلياتها الدستورية التي يحددها مفهوم الدولة
حوار أجرته / رئيسة التحرير بثينة جبنون مرعي
- لنبدأ من البداية.. بوصفكم عضو بمجلس الشعب السوري، منذ بداية عام 2007 عن محافظة درعا، وعن حزب الوحدويين الإشتراكيين، درستم العلوم السياسية، بعد ذلك إنتقلتم للعمل الفكري والسياسي والإعلامي، كرئيس لتحرير صحيفة “الوحدوي” وكمحلل سياسي من خلال ظهوركم الكثيف على القنوات السورية والعربية .. كيف يمكن أن تجمع بين كل هذه التخصصات، وما هو العامل المشترك بينهم؟ ثمّ ما هي مهمتكم في مجلس الشعب؟
أهلاّ بك سيدتي..
إسمحيلي أن أوجّه لك التحية بداية، وأشكرك على هذا اللقاء، الذي سوف يمنحنا إمكانية مخاطبة قراء مجلتكم ، متمنيّاً لكم مزيداً من التقدم والنجاح..
أنا أمارس العمل الثقافي منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وأحترفه بالتركيز عليه بإعتباره المادة الرئيسيّة للقيام بدورنا في خدمة أنفسنا أولاً، وخدمة الآخرين تالياً، كون أنّني أحترف هذا العمل حدّ المهنة، التي أجعلها وسيلة في العمل العام، إن كان عملاً صُحفيّاً أو عملاً سياسيّاً..
أمّا عن سؤالك حول إمكانية جمعي بين هذه الأدوار كلّها، فإنّني أعتقد أنّ هذه الأعمال جميعها، والتي تعتبر جزء من مهماتي الحياتيّة، يجمعها عامل أو قاسمٌ أساسي وهو العامل الثقافيّ، وهذا يجعلني أشعر أنّني أمارس عملاً واحداً ليس إلا..
أمّا بالنسبة لمهامي في مجلس الشعب، فأنا كنت نائباً لرئيس لجنة “التوجيه والإرشاد”، في عام 2007م، ثمّ أميناً لسرّ المجلس، منذ عام 2008م، حتّى عام 2020م، وبعدها أصبحت عضواً في لجنة “العلاقات العربيّة والخارجيّة”، وعضواً في “لجنة الاعلام”، ولم أزل..
- الحرب على سورية دامت أكثر من 10 سنوات عجاف.. كيف نجح الإعلام السوري في تحقيق أهدافه الوطنية، في سياق الحرب الإعلامية التي قادها بإمتياز من خلال نقل ما يجري على الميادين، وكيف ساهمت بعض النخب السورية في تفنيد كل ما ينقله الإعلام الدوليّ؟..
كان التركيز حادّاً على الإعلام، تماماً مثلما كان التركيز على القوات المسلحة، فتم حصاره ومحاربته، والتشكيك بمصداقيته.. كما كانت هناك محاولات عديدة لإختراقه، حيث إستطاعت إستخبارات العدوان شراء بعض أفراد هذه المؤسّسة، تماماً مثلما تمّ شراء وتحييد بعض النخب السوريّة الأخرى.. لكن هناك من النخب الوطنية من ضحى وناضل من أجل الدفاع عن أرض وكرامة وسيادة الوطن …
كنّا نعوّل على الإعلام أكثر من ذلك.. ولكن وبالرغم من كلّ شيء إستطاع الإعلام أن يبقى حاضراً وعصيّاً على السقوط أو التراجع أو حتى على السكوت، لأنّ أطراف العدوان أرادت للإعلام أن يسكت ويتراجع عن الدور الذي يؤديه..
كما أنّ المؤسسة الإعلاميّة المجروحة قدّمت الشهداء والجرحى، وإختطف بعض أبنائها، من قبل المجموعات الارهابيّة، وكان هذا واضحاً في محاولات إستهداف الإعلام وإسكاته.
- للتذكير بموقف الجامعة العربية وبالتحديد مقاطعة معظم الدول العربية للدولة السورية.. هل يمكن أن تتعالى سوريا عن الجراح وتصفح وتعيد تطبيع علاقاتها مع الدول العربية ؟؟ولماذا لم تقدم الجزائر دعوة للرئيس بشار الأسد – حيث كان منتظرا ذلك – لحضور القمة العربية الأخيرة التي كان شعارها “إعادة ترتيب البيت العربيّ”؟..
نحن نعتقد أنّ سوريّة وقيادتها، وهي تدافع عن مصالحها الوطنيّة والقوميّة، لا تفكّر بقلبها، وإنّما تفكّر بعقلها البارد جدّاً، هذه واحدة يجب أن نفهمها .. أمّا الثانية، فإنّ سورية وقيادتها، تدرك أنّ معظم الحكومات والأنظمة العربيّة مسلوبة الإرادة، وأنّ المواجهة لم تكن معها، وإنّما كانت مع صاحب مشروع العدوان الرئيس ، وهو المنسق الغربيّ – “الإسرائيليّ”!!..
لذلك فإنّ سوريّة وقيادتها، تعتقد أنّ صراعها لم يكن مع الأنظمة والحكومات والمؤسسات العربيّة، وبالتالي فإنّ صراعها لم يكن مع الجامعة العربيّة، وإنّما على هذه الجامعة، وعلى علاقات الأخوة العربيّة – العربيّة، وعلى الدور والنفوذ العربيّ، وعلى قضايا وحقوق العرب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينيّة..
لهذا فنحن نعتقد أنّ معركة سوريّة في عودة الجامعة إلى سوريّة، وإلى دورها العربيّ، وهي ما زالت تعمل بهذا الإتجاه، مع بعض الأخوة العرب، وفي مقدمتهم الجزائر، والتي رأت مع سوريّة، أن الوقت ليس مناسباً بعد، ليس لدعوة سوريّة إلى مؤتمر القمة، وإنّما لإستعادة الجامعة وقمّتها إلى النسق الذي قاتلت من أجله سوريّة، ومن يقف معها من أخواننا العرب..
” خالد العبود : القيادة السورية تعمل مع بعض الأشقاء العرب للعودة إلى الجامعة العربية وتعتقد أنّ صراعها لم يكن مع الأنظمة العربية، لأن معظمها مسلوبة الإرادة، وإنّما كانت مع صاحب مشروع العدوان الرئيس ، وهو المنسق الغربيّ – “الإسرائيليّ”!!! “
- لنعود إلى موقف الجامعة العربية من الحرب على سورية ومن القيادة السورية.. هل ممكن أن ننتظر أي مبادرة منها في ظل التغيرات الجيوسياسية التي حصلت وخاصة بعد بدأ المشاورات بين تركيا وسورية، في ظل ما حدث بعد شغور مقعد الجمهورية العربية السورية لعدة سنوات؟..
طبعاً.. سوف تعود الجامعة إلى موقعها الذي فيه سوريّة، وفيه بعض الأخوة العرب الذين استُهدِفوا بعدوان “الربيع العربيّ”، كون أنّ سوريّة ومن وقف إلى جانبها، من أحرار العرب، والحلفاء الإقليمين والدوليين، أفشلوا مشروع العدوان عليهم وعلى المنطقة، وبالتالي فإنّ المنطقة لا يمكن لها أن تستمرّ على ما هي عليه .. فهي ذاهبةٌ إلى نظام إقليميّ جديد، هذا النظام ستكون فيه سورية في مكان آخر، ودور آخر، وهو ما سوف ينعكس على الجامعة العربية، والعلاقات العربيّة – العربيّة، والعلاقات العربيّة – الإقليميّة، إن كان مع تركيا أو مع إيران..
- موقف دولة الإمارات العربية المتحدة كان متزنا حيث لم تنقطع الإتصالات مع الدولة السورية.. فقد كانت أول دولة عربية بادرت بفتح سفارتها بدمشق في ديسمبر 2018، ثم توجت بزيارة للرئيس بشار الأسد في مايو 2022، وبحيث مازالت دولة الإمارات تقدم الدعم لسورية وتؤكد حرصها على سيادة وإستقرار ووحدة الأراضي السورية وهذا ما أكده وزير الخارجية سمو الشيخ عبد الله بن زايد خلال زيارته الاخيرة لدمشق .. كيف تقرأون هذا الموقف؟..
دور دولة الإمارات العربية المتحدة وموقفها مهمّان جدّاً، في ظلّ التطورات الإقليميّة، التي حصلت على مستوى الإقليم، وهو دور لا يعبّر فقط عن موقف الإمارات، وإنما يعبّر عن مشهد واسع يحكم الإقليم، بعد العدوان الكبير الذي حصل على سوريّة..
إنّ ما تقوم به الإمارات اليوم، لجهة موقفها من سورية، أو الحاصل فيها، يدفع إلى التفاؤل والطمأنينة، وبخاصّةٍ للدور والمكانة العربية لها، إضافة إلى ذلك التواصل السّوريّ – الإماراتيّ، الذي يضع لبنات أساسيّة، لنظام إقليميّ جديد، يمكن للمصالح والحقوق العربيّة أن تكون محميّة ومصانة..
- في سياق الحرب الروسية – الأوكرانية ، صرحتم “بأن وزير الدفاع الروسي إستأذن الرئيس بشار الأسد في غزو أوكرانيا وبشار الأسد رد عليه إتكلوا على الله “.. هل صحيح أن الرئيس بشار الأسد شجع القيادة الروسية على غزو أوكرانيا ؟؟وحسب رأيكم في ماذا تمثل دعم الدولة السورية للقيادة الروسية ، غير إعترافه ببعض المناطق التي ضمتها روسيا؟..
من ضمن العدوان علينا، هناك عدوانٌ إعلاميٌّ قذر، لم يطلني وحدي في ليّ عنق بعضٍ ممّا قلته، أو ما أقوله، وإنّما قام بالشيء نفسه، مع كثيرٍ من المسؤولين السّوريين، وتحديداً في تصريحاتهم تجاه عناوين الدفاع عن سوريّة..
أنا لم أقل بأنّ وزير الدفاع الروسيّ إستأذن الرئيس الأسد، قبل العملية الخاصة للقوات الروسيّة في أوكرانيا، وإنّما قلتُ بأنّ وزير الدفاع الروسيّ أخبر الرئيس الأسد بهذه العملية، قبل أن تقوم بها القوات الروسيّة، لماذا؟.. لأنّ أساس الضغط الغربيّ على روسيا من أوكرانيا، كان بسبب دور ونفوذ روسيا في سوريّة، فكان لا بدّ من التنسيق مع الرئيس الأسد، بهذا الأمر، بإعتبار أنّ هناك إمكانية لتطوّر المواجهة وإنتقالها إلى منطقتنا، وبالتالي لا بدّ من أن يكون هناك تنسيق بين القيادتين السوريّة والروسيّة..
أمّا ماذا يمكن لسوريّة أن تقدّم لروسيا، فسوريّة تبدو من خلال مواقفها السياسيّة، مدركة تماماً لما يحصل في أوكرانيا، وبشكل عميق وكبير جدّاً .. لهذا فهي سارعت كي تشكّل غطاء سياسيّاً، إقليميّاً ودوليّاً، للموقف الروسيّ من أوكرانيا، وهو ما كان واضحاً من خلال تأكيد القيادة السوريّة، على أحقيّة وصوابيّة الموقف الروسيّ من أوكرانيا.. ولا نعتقد أن روسيا بحاجة لغير ذلك..
” خالد العبود : التواصل بين القيادات في سوريا ودولة الامارات متواصل لوضع لبنات أساسية لنظام إقليمي جديد .. وما تقوم به دولة الإمارات لسوريا يدفع إلى التفاؤل والطمأنينة “
- صرحتم “أن أردوغان سيرفع رايته البيضاء على الجبهة السورية ” في سياق اللقاء المرتقب بين الرئيس بشار الأسد والرئيس التركي أردوغان ، رغم كل ما أقترفه النظام التركي من جرائم في حق الدولة والشعب السوري .. كيف تقرأون مبادرة أردوغان في التقارب من النظام السوري ، وهل فعلا هناك نوايا حسنة لإتخاذ خطوات جدية لمحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن بسورية؟..
طبعاً لا يستطيع “أردوغان” أن يستمرّ في حربه ضدّ سوريّة، أو بالدور الذي لعبه، في الحرب التي شُنّت على سوريّة، كون أنّ سيّد العدوان الرئيسيّ قد فشل، بمعنى آخر فإنّ “أردوغان” فشل أيضاً بالدور الذي أسند له..
ومن جهة أخرى يمكننا القول بأنّ “أردوغان” لم تكن هزيمته من داخل هزيمة العدوان الكلّي، وإنّما خصّه الرئيس الأسد، بهزيمة أخرى مختلفة تماماً عن الحرب الكليّة، حين أخذه في “إدلب” إلى فخٍّ أمنيٍّ ساهم في مادته أساساً “أردوغان” ذاته، فلم يكن أمامه إلا أن تتحوّل سورية إلى حاجة له، لخصوصيّة مساهمتها في أمن واستقرار الإقليم..
تحولت سورية وأمنها وإستقرارها ووحدة أراضيها، إلى حاجة بالنسبة “لأردوغان”، وبالتالي فإنّ “التقارب” مع سورية، والتواصل معها، بالنسبة “لأردوغان” ذاته، حاجة أكبر وأعمق من حاجة سورية له، أي لهذا “التقارب”!!..
- طالب النظام التركي من المعارضة السورية بالمغادرة والإلتحاق بالدولة السورية ، بعد كل الدعم المادي واللوجستي الذين كانوا يحظون به والملاذ الآمن الذين كانوا به ينعمون .. فكيف تقرأون مدى جدية هذا الموقف وماهو الهدف من ذلك؟..
مصالح “أردوغان” مرتبطة بعودة العلاقات الطبيعيّة مع سوريّة، وعودة العلاقات الطبيعيّة لا يمكن أن تكون بشروط “أردوغان”، وإنّما بشروط الرئيس الأسد، بمعنى آخر، لم يعد “أردوغان” قادراً على إستعمال “المعارضة السوريّة” في مواجهة الرئيس الأسد، لهذا فإنّ هذه “المعارضة” إنتهت صلاحيتها، وهي خارج المشهد السياسيّ تماماً!!..
نعم لقد إنتهت صلاحيّة هذه الأداة في السياسة، والتي كان يستعملها “أردوغان” في عدوانه على سوريّة، ولهذا كنّا نصرّ على أنّها أداة في يدّ “أردوغان” ليس إلا، وهي خطوة منه ليس لها علاقة بجدّيته من عدمها، وإنّما لها علاقة بمصالح “أردوغان” التي لم تعد مرتبطة بهذه “المعارضة”!!..
- طالبت الدولة السورية برحيل القوات الأجنبية للتحالف الدولي بقيادة القوات الأمريكية بشمال سورية عن الأراضي السورية، في ظل صمت للمجتمع الدولي ومجلس الأمن المشين..لماذا لم تطالب أيضا بمغادرة القوات الروسية التي دعمت الدولة السورية في حربها على الإرهاب ( طبعا لا مجال للمقارنة بين القوات المحتلة والقوات الرديفة )، خاصة في الظروف الحالية بعد نشوب الحرب الروسية – الاوكرانية ، وهل إنتهت مهمتها؟..
فرّقت سورية بين من حضر إلى أراضيها لمساعدتها في مواجهة الإرهاب، وبدعوة رسميّة منها، وبين من حضر وكان إلى جانب هذه المجموعات الإرهابيّة، سعياً لإسقاط الدولة السّوريّة..
فالقوات الأمريكية دخلت وإحتلت أراضي سورية، ودعمت مجموعات إرهابيّة وإنفصالية لإسقاط الدولة وتفكيكها .. كذلك بالنسبة للقوات التركيّة، في حين أنّ القوات الروسيّة، جاءت بدعوة رسميّة من الدولة السوريّة، لهذا فإنّه من الطبيعيّ أن تطالب سوريّة بخروج القوات المحتلة، وهي القوات الأمريكيّة والقوات التركيّة، أمّا بالنسبة للقوات الروسيّة، كذلك بالنسبة للوجود الإيرانيّ، ولو أنّ شكل وجوده يختلف عن شكل الوجود الروسيّ، فإنّه مجرد أن ينتهي السبب الذي حضرت من أجله روسيا أو إيران، يصبح خروجهما ضرورة وحاجة بالنسبة لجميع الأطراف..
- كتبتم ردا على تصريحات وزير الخارجية ورئيس مجلس الوزراء الأسبق القطري حمد بن جاسم ” شكرًا حمد بن جاسم .. ما كنا نتوقع أن يخرج علينا ، ونحن أحياء ، من يتحدث عن حقيقة وتفاصيل العدوان الذي حصل علينا ، إذ كنا نعتقد أن مثل تلك التفاصيل والأسرار لا يمكن أن تقال بعد أكثر من مرور عشرات السنوات الآخرى … ” ألا ترون أن تلك الأسرار بتفاصيلها وأدوارها وأموالها التي لعبتها بعض الحكومات العربية كانت في مصلحة الدولة السورية، لفهم حجم المؤامرة التي دبرت ضد الدولة والشعب ؟؟
- ولماذا حسب رأيكم أدلى بتفاصيل أسرار هذه الحرب على سوريا ، وما هي الرسالة من ذلك بوصفه يفتخر بقيادة دولة قطر لغرفة عمليات المؤامرة؟..
“حمد بن جاسم” يفهم الأمريكان جيّداً، فهو يدرك أكثر من سواه بكثير، أنّ ما فعله الأمريكيون في سوريّة، لم يعد سرّاً بالنسبة لهم، حتّى يخيفوا أبناء المنطقة، وكي يقولوا للسوريّين وغيرهم من أبناء المنطقة، بأنّنا كنّا وراء ما حصل في سوريّة، وهذا مصير كلّ من يرفض أوامرنا!!..
كذلك بالنسبة للإستخبارات الأمريكية، فهم يريدون من يبوح بهذا السرّ، وبخاصّةٍ أنّ “حمد” أضحى خارج موقعه السياسيّ، كون أنّ هناك “لوبيات” دوليّة عميقة، شكّكت بالدور الذي لعبته بعض الحكومات الإقليميّة والدولية، لجهة الدور الذي لعبته بعض هذه الحكومات، في تفكيك الدولة السوريّة وإسقاطها..
كما أنّ “حمد” يريد أن يقول شيئاً هامّاً، في ظلّ محاولة السعوديّة التخلّص، أو التبرؤ، ممّا حصل في سوريّة، فهو يريد القول بأنّ الجميع، وليس نحن فقط، أي “قطر”، كانوا متورّطين بالعدوان على سوريّة، وهنا يجب الإنتباه، إلى أنّ هناك أطرافاً إقليميّة أرادت أن تبرئ “الوهابيّة” على حساب “الإخوان المسلمين”، وهو ما حاول أن يفضحه “حمد” في هذه الإطلالات أيضاً، حين أشار إلى أنّ الجميع كانوا متورطين بالعدوان…
- يعيش الشعب السوري في ظل ظروف إقتصادية قاهرة يفتقد فيها إلى أدنى ضروريات الحياة من إنقطاع الكهرباء وشح المحروقات وإرتفاع أسعار المواد الغذائية وتدني الأجور، بما في ذلك قانون قيصر والعقوبات الدولية التي فرضت على سوريا .. كيف يمكن للدولة أن تخرج من هذه الأزمة الخانقة لتوفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة للشعب ، خاصة بعد إستعداد اللاجئين للعودة لوطنهم؟..
ما نمرّ به متوقّع وطبيعيٌّ، في ظلّ ما واجهته سوريّة، خلال أكثر من عقد مضى، وغير المتوقع والغريب بالنسبة لكثيرين، أنّ سوريّة بقيت واحدة وموحدة ، وأنّها بقيت موجودة!!..
أمّا كيفيّة خروج الدولة ممّا هي فيه، فهو يعود إلى ظروف وشروط لها علاقة بالعدوان نفسه، فهو لم يزل مستمراً بعناوين عديدة، فعندما تعود كامل الأراضي السوريّة إلى سيادة الدولة، فهناك عودة لكثير ممّا تملكه سورية، إن كان على مستوى القمح، أو على مستوى النفط، أو على مستوى الصناعة .. وبالتالي فهناك جملة واسعة من إمكانيات الدولة المستقرة والآمنة سوف تعود، وهذا سوف ينعكس على حياة السوريين وإمكانياتهم..
“نعم وزير الدفاع الروسيّ أخبر الرئيس الأسد بهذه العملية، قبل أن تقوم بها القوات الروسيّة، لأنه من الطبيعي أن يكون فيه تنسيق روسي – سوري“
- كيف يمكن تحقيق المصالحة الوطنية في ظل دولة تحاول لملمة جراحها لتجاوز عشرية سوداء من تاريخها وطي صفحة الماضي؟..
في مفهوم المصالحة الوطنية علينا أن نفرّق بين مفهومين، الأوّل المصالحة الوطنيّة، والثاني المصالحة السياسيّة، فكثيرون هم الذين يخلطون بين هذين المعنيين، أو هذين المفهومين، فالمصالحة الوطنيّة ضروريّة جدّاً، أساسها إعادة ترسيم علاقة المواطن بدولته، كون أن هذه العلاقة تعرضت لعدوان شرسٍ وشديد..
فنتيجة العدوان الذي حصل على السوريين، دولة ومجتمعاً، أصيبت هذه العلاقة بين الدولة ومجتمعها، وبالتالي فهو مطلوبٌ وضروريٌّ جدّاً، إعادة توطين هذه العلاقة، تحت سقفٍ وطنيّ طالما عبّر السوريّون عن حاجاتهم له..
أمّا عن المصالحة السياسيّة، والتي يحاول البعض تمريرها من خلال الدعوة إلى مصالحة وطنيّة، فهي دعوة ليست دقيقة، وفيها كثير من التضليل والخداع، إذ أنّنا نعتقد أنّ المصالحة السياسيّة إنّما هي دعوة ماكرة، يريد البعض ترسيخها، بغية تحديد خارطة سياسيّة داخليّة، تتوازع أطراف هذه الخارطة، قوى نافذة على مستوى المنطقة، وهذا في الحقيقة خطير ومرفوضٌ بشكل كامل..
لهذا نحن نميل إلى التأكيد أنّنا لا نمرّ في فراغ سياسيّ، فهناك دستور يحدّد ماهيّة الدولة، وعلاقاتها مع مواطنيها، وعلاقة المواطنين فيما بينهم، وهو دستور عبّر عن عقد إجتماعيّ عمّر لعشرات السنوات من الأمن والإستقرار..
- كلمة لكل من أساء وتآمر بالقلم والرأي ضد سوريا خاصة من كانوا مقربين من النظام.. ولكل المعارضة السورية.. ولكل الأنظمة العربية التي مازالت مصرة على مقاطعة النظام السوري وكانت تطالب برحيل بشار الأسد…؟
في الحقيقة أنا لا يعنيني كثيراً خطاب أولئك الذين لعبوا دوراً آخر، في النيل من سوريّة وموقفها ودورها، بإعتبار أنّهم لا يمتلكون هذا الدور الذي لعبته حقيقة، وإنّما هم كانوا عبارة عن أدوات في العدوان على هذا الوطن الغالي..
إنّ هذا الدور الذي لعبته لم يكن جديداً تاريخيّاً، فقد مارس آخرون غيرهم ذات الدور، وبالطرائق ذاتها، ومنذ عشرات السنوات السابقة، وفي أكثر من محطة تاريخيّة، للنيل من سوريّة، أو لخطفها ووضعها فوق سكّة أخرى، تصبح فيها المنطقة في مكان آخر..
إنّ “الربيع العربيّ” الذي ضرب سوريّة، كان في رئيسياته نسخة من “حلف بغداد” وأهدافه، بغية السيطرة على المنطقة، حيث كان هناك من قام بالدور ذاته الذي قام به البعض خلال هذه المرحلة، بالرغم من أنّ لم تتطوّر الأمور خلال “حلف بغداد” لما وصلت له الأمور خلال هذه المرحلة، لكنّ هناك جامعاً بين النسختين، وهو أنّ هناك أطراف إقليمية لعبت ذات الدور، وهناك أفراد ونخب سورية وغير سورية، لعبت ذات الدور، لكنها بعد فشل مشروع “حلف بغداد” وإسقاطه، هؤلاء جميعاً ذهبوا إلى مزابل التاريخ..
” أردوغان سيرفع رايته البيضاء على الجبهة السورية ، لأنه لن يستمرّ في حربه ضدّ سوريّة، كون أنّ سيّد العدوان الرئيسيّ قد فشل ، وهو قد فشل أيضا في الدور الذي أسند إليه … “
- هل يمكن أن نعتبر أن سوريا إنتصرت في الحرب الكونية التي سلطت عليها ؟
- وما هي آفاق المستقبل في ظل التغيرات الجيوسياسية وفضح مخطط ما سمي ” بالربيع العربي ” ؟
نعم سورية إنتصرت، وأفشلت مشروع العدوان عليها وعلى المنطقة، وهذا قد لا يبدو واضحاً تماماً الآن، فالأيام والسنوات القادمة، سوف تكشف أبعاد هذا الانتصار وتوضّحه جيّداً، وأحفادنا سوف يتحدّثون طويلاً عن هذا الإنتصار العظيم، وسوف يزهون ويفتخرون به كثيراً..
لقد سقطت مشاريع كبيرة نتيجة هزيمة وإفشال “الربيع العربيّ”، وأهمها أنّه لم يتم تصفية القضية الفلسطينيّة، و”صفقة القرن” لم تمر، وهذا كلّه بفضل صمود سوريّة وبسالته..
إضافة إلى أنّ هذا الصمود، أعاد إنتاج خرائط دولية كبرى، وأعاد ترتيب العالم وفق صعود ثنائية قطبية، ما كان لها أن تكون، لولا إنتصار سوريّة ونجاحها في هزيمة عدوان “الربيع العربيّ” عليها.
- أخيرا وليس آخراً بوصفكم عضو في إتحاد كتاب العرب ولديكم عدة إصدارات من بينها ” حوار على أرض محايدة ” و” نقد الخطاب الديني السياسي ” ، أيضاً لديكم مجموعات شعرية منها ” قراءات في دفتر الصمت العربي ” و ” رثاء المديح المر ” .. ماذا تمثل الكتابة لكم، وكيف يمكن فصل الخطاب الديني عن السياسي، وكيف يمكن تجديد الخطاب الديني؟..
طالما كنّا نؤكّد على أنّ الكتابة أداة للتعبير، وليست أداة للتكفير، من هنا يمكننا أن نفصل بين الكتابة بإعتبارها حامل تعبير، أو أنّها حالة ثقافية.. ونحن هنا نميل إلى إعتبار الكتابة حامل تعبير وتواصل مع الآخر، ونعتقد أنّه بدون الكتابة، كانت الثقافة بمجملها، ليست كما هي عليه الآن، وعلى مستوى التاريخ بشكل كاملٍ..
لهذا فالكتابة تمثّل بالنسبة لي مادة الحياة، وسرّ مادة الوجود وتطوّره، ولا يمكن للحياة أو لهذا الوجود، أن يستويا بالشكل الذي هما عليه الآن، دون الكتابة..
أمّا بالنسبة للخطاب الدينيّ والخطاب السياسيّ، فنحن في كتابنا: “نقد الخطاب الديني السياسيّ”، تحدّثنا ووضّحنا آلية تشكّل العقل السياسيّ العربيّ، وأثر الدين فيه، وخلصنا إلى أنّه لم يستطع العقل العربيّ السياسيّ، التخلّص من تأثير الدين فيه، وهو فعل تاريخيّ مركّب عانى منه العرب كثيراً، ولا يمكن فصل الدين عن السياسة إلا إذا فرّقنا بين الدين ورجال الدين، أولاً، وأعدنا تعريف الدين بإعتباره منظومة قيم، ثانياً..
عند هذه الواحدة يمكننا أن نخلّص السياسة من رجال الدين، وليس من الدين، وتخليص السياسة من رجال الدين لا يعني أن نمنع رجال الدين من العمل السياسيّ، وإنّما نمنع رجال الدين من الممارسة السياسية ، بإعتبارهم رجال دين أو سلطة دينيّة، وهم إذا أرادوا أن يعملوا بالسياسة، عليهم أن يعملوا بها بإعتبارهم “مواطنون” ليس إلا!!..
ثمّ العمل على فصل الدين عن السياسة، بإعتباره شعائر وطقوساً، والتركيز عليه كحاجة مجتمعيّة ضروريّة، يتمثّل في منظومة القيم التي يختزنها، والإستفادة منه كمصدر تشريع يرى مجتمع الدولة نفسه فيه، بإعتباره مجتمعاً فقط، وليس بإعتباره دولة، أي أنّ مفهوم التشريع هنا يلحظ العلاقات المدنيّة في المجتمع، وتحديداً ما يطلق عليه مفهوم الأحوال المدنيّة..
فنحن نعتقد أنّ الدين، يحتوي نظرية إجتماعيّة وروحيّة، ولكنّه غير معنيٍّ بنظريّة في السياسة، وصولاً إلى قيام الدولة وخلودها.