أكدت دراسة بحثية جديدة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات أن الحرب الروسية -الأوكرانية أوجدت تداعيات جيوسياسية عميقة، كما شكلت تهديدًا وجوديًا لأمن المنظومة الأوروبية واستقرارها.
وبينت الدراسة التي حملت عنوان “تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية على السياسة الخارجية الألمانية.. عودة الجيوبوليتكس ونهاية السياسة الشرقية” أنه نتيجة لذلك، إتسم موقف ألمانيا بتغير جذري، حيث أعاد قادة ألمانيا هيكلة السياسة المتعلقة بالأمن والطاقة، وسلوكها الخارجي تجاه روسيا الاتحادية.
وركزت الدراسة، التي جاءت ضمن البرامج البحثية في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لمركز تريندز، على تأثير الحرب الأوكرانية على توجهات السياسة الخارجية الألمانية، وتحديدًا ما يعرف بـ “السياسة الشرقية” التي تقف عند مفترق الطرق، خاصة في ظل إجماع أوروبي-أمريكي يعتبرها خطأ في التقدير الاستراتيجي.
وأوضحت الدراسة التي أعدها لتريندز، محمد غاشي الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن برلين إستجابت لمعيار الناتو لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 2 % من ناتجها المحلي الإجمالي، وتخصيص صندوق خاص بقيمة 100 مليون يورو لرفع القدرات الدفاعية للجيش الألماني وتعزيز الدفاعات المشتركة للاتحاد الأوروبي، وقدرات الناتو من خلال الالتزام بنقل الأسلحة النووية إلى الأراضي الألمانية في حالة وقوع صدام عسكري بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
وأضافت أنه علاوة على ذلك، برز دور برلين – واشنطن وحلفائهما في تشكيل نظام العقوبات الاقتصادية لشل آلة الحرب الروسية عبر الجمع بين مختلف أشكال التعاون، مما يوحي بأن الهيمنة الغربية ستطول، كما أن إستغناء ألمانيا عن مصادر الطاقة الروسية وخاصة الغاز (Nord Stream)، شكل مؤشرًا قويًا على نهاية مفاجئة وغير متوقعة لعقود من السياسة الشرقية تجاه موسكو.
وأكدت الدراسة أن العالم ما بعد الأزمة الأوكرانية من الناحية المعيارية سيتجه نحو مزيد من هيمنة المؤسسات الغربية في السياسة الدولية.. كما يتوقع الشيء نفسه من الناحية الاقتصادية، إستمرار الريادة الغربية، فيما يسود الاعتقاد بأن روسيا الاتحادية ستتوارى إلى الوراء وتعود إلى ما كانت عليه قبل عام 1991، نظرًا إلى حجم الأضرار التي طالت إقتصادها جراء العقوبات الاقتصادية وشل شرايين خزينتها (بعد فطام ألمانيا والاتحاد الأوروبي عن الطاقة الروسية)، علاوة على الخسائر التي طالت ترسانتها العسكرية، وتضرر صورتها على المستوى الخارجي.
وخلصت الدراسة إلى أنه بالنظر إلى عقيدة ألمانيا السلمية في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هذا التحول يؤشر على تحول هيكلي في السياسة الخارجية الألمانية، ولاسيما تجاه روسيا.. موضحة أنه مع ذلك، فإن عملية تقييم حجم المساعدات الألمانية وإتجاهاتها والدعم المقدم لأوكرانيا منذ بداية الحرب إلى حدود اللحظة، تفيد بأن الخوف من التصعيد هو العامل المهيمن في إعتبارات السياسة الألمانية، إذ ما تزال برلين مترددة وبعيدة من دعوة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل “لأخذ مصيرها بيدها” في تعزيز أمن ودفاعات الاتحاد الأوروبي، والإتجاه لكي تكون طرفًا شريكًا في القيادة مع واشنطن، لا أن تظل تابعًا موثوقًا تحت الهيمنة الأمريكية.