في إطار عمله البحثي الموثق، وسعيه لكشف خبايا الجماعات الإسلاموية، أصدر مركز تريندز للبحوث والإستشارات الكتاب التاسع، من موسوعته حول جماعة الإخوان المسلمين، تحت عنوان “الإنشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمين”.. ويتناول بالعرض والتحليل الإنشقاقات التي حدثت داخل الجماعة منذ نشأتها عام 1928 وحتى أزمة الإنشقاقات الأخيرة، التي مازالت مستمرة منذ سقوط حكمها في مصر عام 2013، كما يستشرف مآلات هذه الجماعة الحزبية ومصائرها.
وبين الكتاب أهم أسباب الإنشقاقات التي حدثت داخل جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها الطويل، مشيرًا إلى أنها تتمثل في: فجوة الأجيال، والنزعة المركزية، وإفتقادالقائد الكاريزما، والسوق الدينية أو رأس المال الرمزي، وتحدي التماسك وسط جماعات السخط والمعارضة وتأثير ذلك على ترابط التنظيم، وأخيرًا التقصير في تمكين الشباب.
وذكر الكتاب الذي تضمن سبعة فصول أن جماعة الإخوان المسلمين شهدت منذ تأسيسها حتى نهاية حكم الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1970، عددًا من الإنشقاقات المهمة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال إقتراب تاريخي ومؤسساتي.
وأوضح أنه خلال عهد الرئيس السادات لم تشهد جماعة الإخوان المسلمين أي إنشقاقات تنظيمية، صغيرة كانت أو كبيرة، بل إن الجماعة شهدت في هذه الفترة إنتشارًا كبيرًا في المجتمع، ونموًا ملحوظًا في هيكلها التنظيمي، مشيرًا إلى أن عدة عوامل أسهمت في عدم تعرض الإخوان لأي إنشقاقات خلال هذه المرحلة التاريخية، أولها رغبة الرئيس السادات نفسه في التصالح مع الجماعة، وثانيها إنشغال الجماعة بإعادة البناء التنظيمي، بالإضافة إلى نجاح المرشد الثالث عمر التلمساني في إدارة الخلافات داخل الجماعة.
وأشار الكتاب إلى أنه على الرغم من محافظة الجماعة على تماسكها التنظيمي في السنوات الأولى من عهد الرئيس مبارك، فإن نغمة الإنشقاقات عادت مرة أخرى إلى الجماعة بعد وفاة التلمساني 1986، مبينة أن الإنشقاقات التي تعددت أسبابها وتباينت في حجمها وطبيعتها، تمحورت حول أمرين رئيسيين : الأول، هو سلوكيات رجال النظام الخاص والقطبيين، التي أدت إلى إبتعاد “الإصلاحيين” عن الجماعة، والثاني، هو الخلافات التنظيمية حول بعض المواقف التي كانت الجماعة تتخذها إزاء بعض القضايا، ولاسيّما مع بروز جيل جديد من الشباب داخل الجماعة يُعَدُّ أكثر إنفتاحًا على العمل السياسي من الجيل القديم.
وتوقف الكتاب عند الإنشقاقات التي شهدتها الجماعة منذ 25 يناير 2011 حتى وقتنا الحاضر، مشيرًا إلى أنها تعد هي الأكبر والأخطر، بالنظر إلى كونها إتخذت الطابع الجماعي، الذي سرعان ما تحول إلى صراع على قيادة الجماعة، ثم تفاقمت حدته بسبب إختفاء معظم القيادات التاريخية الفاعلة داخل السجون المصرية، وهو ما أصاب الجماعة بحالة من السيولة التنظيمية، أصبح من الصعب معها السيطرة على الإنشقاقات والإنقسامات، الأمر الذي جعلنا نشهد قيادتيْن على رأس الهرم التنظيمي لجماعة الإخوان، لأول مرة في تاريخها، بعد إشتعال الصراع بين “إبراهيم منير”، و”محمود حسين”، وإتهام كل طرف للآخر بالفساد المالي والإداري.
وأكد الكتاب أن الإنشقاقات لم تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، بل تعدتها إلى عدد من فروعها البارزة في المنطقة العربية، وهو ما يعود إلى الإرتباط القوي بين الجماعة الأم وفروعها في المنطقة.
وذكر أن الإرتباط العضوي الواضح بين جماعة الإخوان الأم في مصر، وبين التنظيم الدولي للإخوان، تسبّب في أن يتعرّض الأخير لإهتزازات قوية، تزايدت حدتها مع حالة الإنقسام التي ضربت الجماعة الأم في الفترة الماضية، وذلك بالنظر إلى أن القيادات المصرية كانت حريصة على الإمساك بكل المفاصل الحيوية للتنظيم الدولي، دون منافسة من عناصر الإخوان من الجنسيات الأخرى، وهو ما جعل الأزمات الطاحنة التي تواجهها الجماعة، منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن، تنعكس بشكل كبير على التنظيم الدولي، وتزيد حالة الضعف التي بدأت أولى حلقاتها مع مطلع تسعينيات القرن الماضي،
وخلص الكتاب إلى أن ما يحدث الآن داخل الجماعة يُعَدُّ أزمة مركبة، إذ خلقت الانقسامات داخل الجماعة أجنحة ثلاثة، تتصارع حول قيادتها، وإنْ لم يَدَّعِ أيٌّ منها الخروج عنها، ولا تأسيس جماعات موازية لها، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يجعل الجماعة أمام 4 سيناريوهات مستقبلية محتملة، أولها: إستمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث إنشقاقات محدودة، وثانيها: إستمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث إنشقاقات كبيرة. وثالثها: إنتهاء صراع الأجنحة وعودة التماسك للجماعة، وهو سيناريو ضعيف، لكن لا يمكن إستبعاده بشكل مطلق، إذا ما نجحت الجماعة في طي صفحة الخلافات داخلها.. أمّا السيناريو الرابع والأخير – والذي يبدو هو الأرجح – فيتمثل في بقاء حركة الجماعة وإستمرارها، ولكن في حالة من الضعف والهوان الشديد.