أكدت دراسة حديثة لمركز تريندز للبحوث والإستشارات أن معادلة السلطة في العراق بعد العام 2003، والتي تشكلت بقرار من الولايات المتحدة، لم تكن قادرة على تحديد مستوى العلاقة مع واشنطن بالشكل الذي يدفع هذه العلاقات نحو مستويات، يمكن من خلالها صناعة الإستقرار في المستويات السياسية والأمنية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبينت الدراسة التي تحمل عنوان «بغداد ـ واشنطن.. المسار المعقد في حكومة السوداني» أن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تمثل مساحة جدل سياسي دائم، ونقطة تستحق التوقف عندها مع كل حكومة تتشكل في العراق أو مع طبيعة الإدارات الأمريكية سواء أكانت ديمقراطية أو جمهورية، مشيرة إلى تأثير واشنطن على الحكومات العراقية في تحديد بوصلة مواقفها تجاه عدد من الملفات وضبطها، سواء كانت داخلية أو خارجية، فضلًا عن أن تشكيل حكومة محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء العراقي يتزامن مع العودة الأمريكية إلى منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وأهمية العراق للولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت بشكل خاص.
وأوضحت الدراسة أنه بالرغم من مرحلة الصداقة العراقية- الأمريكية (2003-2010) فإن صاحب القرار العراقي تاليًا أخضع هذه العلاقة إلى مصالح التفوق الداخلي لشخصه أو لحزبه أو مكونه، ولم ينظر إلى هذه العلاقة على أساس المصلحة العراقية العليا بقدر ما مثل العراق منصة للمواقف الإيرانية، حتى وصل الأمر إلى تهديد الولايات المتحدة الأمريكية بقطع مستوى هذه العلاقة أو بخفضه أو حتى جعلها عدوًا، مما إنعكس بشكل سلبي على العراق داخليًا وخارجيًا.
وذكرت الدراسة، التي جاءت ضمن البرامج البحثية في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لمركز تريندز، وأعدها الدكتور إحسان الشمري أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد بالعراق، أنه رغم أن حكومتي حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي قدمتا رغبة لإعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفق أسس عملية يمكن أن توازن المصالح المشتركة، فإن الحكومتين إصطدمتا بذلك التأثير العميق لإيران، الكابح لأي نهوض بالعلاقة مع واشنطن على أساس مبدأ التوازن. ولم تستطع حكومتا العبادي والكاظمي استثمار هذه العلاقة إلا في المستويات الأمنية. وحتى اتفاقية الإطار الاستراتيجي لم تتوافر لها الظروف السياسية والحكومية لتفعيلها.
وأشارت الى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم مقاربة جديدة للتعاطي مع العراق منذ تولي إدارة بايدن البيت الأبيض، مشيرة إلى أن عناوين العلاقة في الخطاب الأمريكي استمرت دون فارق بأن العراق شريك حقيقي في مكافحة الإرهاب وضرورة الحفاظ على استقراره ودعمه وأمنه ليصبح دولة ديمقراطية متكاملة. موضحة أن المقاربة، التي انتهجتها إدارة بايدن للملف العراقي لاحقًا، سمحت للأحزاب الحليفة لإيران بتحويل الهزيمة إلى نصر. وبذلك يبدو في هذه المرحلة أن العراق، الذي خاضت الولايات المتحدة حربين رئيسيتين في العقود الأخيرة لأجله، لم يعد أولوية بالنسبة إلى واشنطن، لكنه أولوية قصوى بالنسبة إلى طهران.
وخلصت الدراسة إلى أنه بحكم تمتع العراق بموقع جيواستراتيجي حيوي، وكونه خامس أكبر خزان إحتياطي نفطي في العالم، ويقع على الخطوط الأمامية للتصدي لجهود إيران الرامية إلى توسيع نفذوها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، جعل واشنطن تستدير تجاه بغداد نتيجة الحاجة الأمريكية.. وقالت إن هذا الأمر قد يدفعها للعب دور أكبر في المرحلة المقبلة، مما يتطلب رؤية جديدة لحكومة محمد شياع السوداني تستند إلى المصلحة العراقية والبراغماتية مع هذه الاستدارة.. لكن بالمجمل فإن العلاقة ستكون معقدة بسبب تصادم المصالح ومساحات النفوذ الأخرى في العراق.