عندما يصبح التافهون مؤثرون على شبكات التواصل الإجتماعي في هذا الزمن الرديء الذي تحكمه تكنولوجيا خطيرة ، وعندما يصبحون قدوة لمتابعينهم ، فهذا هو عصر الرداءة والتفاهة والزمن المجهول …
لا أعلم من هو العبقري الذي أطلق لقب “صُنّاع المحتوى” و”المؤثرين” على فئة من الناس، الذين هم في الغالب من الشباب “الذي لا شغل أو مشغلة لديهم ” تطلّ على مواقع التواصل الإجتماعي لتنشر حكايات من التفاهة والسطحية بهدف التسويق لثقافة القذارة وكسب المال …
فمن غير المعقول أن يخترعوا لنا عالما إفتراضيا، من أجل قبر عالم الواقع، ويمنحوا لنا سلالة من الإنس مثل “المتحوّرات”، لا تدري ما تقول ولا ما تفكّر فيه، ثمّ يطلقون عليهم “صنّاع محتوى” و”مؤثرين” في مجتمع يبدو أنه إستسلم لهذه التفاهات ومكّن بغبائه لهؤلاء شهرة ما كانوا يحلمون بها، لو عادوا إلى الواقع الذي حفظنا فيه بأن من جدّ وجد ومن زرع حصد، وليس جمع الملايين من المعجبين من ومضة تافهة لا تزيد عن ثرثرة على المباشر وتسويق للأخلاق الهابطة …
لم يكن ظهور من يطلقون على أنفسهم “المؤثرين” على مواقع التواصل الإجتماعي في هذا العالم الإفتراضي من كل مكان من بقاع الأرض سوى موجة ستنتهي .. فحقية التأثير على مواقع التواصل الإجتماعي، حقيقة زائفة ، الغاية منها إلهاء الأميين وبعض البسطاء بأنهم “قدوة” وهكذا يصبحون حديث العالم …
وبالرغم من تنوع محتويات مؤثرو وسائل التواصل الإجتماعي عبر مواقعهم الخاصة ، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى جودة المحتوى وأهدافه الإيجابية ، بل أن غالبية المحتويات لها تأثير خطير على نفسية وسلوك الجمهور وخاصة الشباب ، بهدف تسطيح العقول ونشر ثقافة دخيلة مزيفة ، بل أن البعض من متتبعي هؤلاء إتخدوهم قدوة يحتذى بهم ومصدرا للمعلومة .
وإسترسالا ، دعونا نذهب لتصحيح مفهوم “المؤثر” بما فيه وما عليه ، حتى نوضح للرأي العام كيف يصبح الفاشلين قدوة لأولادنا وشبابنا.. فبحلول 2014 أصبح مفهوم المؤثرين في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية متعلقا بمشاهير التمثيل والموضة والغناء، الذين يتابعهم الجماهير ويتأثرون بثقافتهم ودعواتهم لحماية حقوق الإنسان والبيئة، وبعضهم أصبحوا سفراء للنوايا الحسنة والسلام، لأنهم لا يعبثوا بالرسائل السياسية والثقافية والإجتماعية، وأغلبهم مثقفون وحاصلون على شهادات عليا في مختلف التخصصات، بل أن فئة منهم خبراء في توجيه وصناعة الرأي العام .
بعد ذلك إنتقل مفهوم المؤثر إلى دول الخليج ودول الشرق الأوسط والمغرب العربي ، عن طريق تطبيقات مختلفة “سناب شات” ثم عن طريق الإنستغرام والفيسبوك ، حيث ظهر بعض الأشخاص لا ثقافة لهم ولا علم بطريقة صناعة المحتوى الرقمي وطبيعته ، وأصبحوا من المؤثرين في تلك الدول وكسبوا ثروات كبيرة وشهرة ، ينشرون الجهل والإنحلال الأخلاقي والتفاهات ويظهرون في مشاهد الثراء الكاذب وفي مظاهر غير لائقة وبعيدة عن كل القيم، ويحولون متابعينهم إلى مدمنين .
والمؤسف في هذا الزمن الرديء ، أن التفاهة أضحت مسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بإعتبار أن أغلب المؤثرين تحوّلوا لقدوات مجتمعية دون النظر لجودة محتواهم .. وهذه الظاهرة أصبحت ظاهرة كونية يصعب معالجتها ، ولا توجد أي قيود لصد تفشيها بمجتمعاتنا في زمن تحكمه التكنولوجيا بهذا الفضاء الشاسع والتي آسيئت إستخدامها في ظل العولمة .
واليوم حينما تلجأ بعض الحكومات العربية إلى المؤثرين ، لإطلاق برامج تهم التنمية والبطالة والقضايا الجوهرية المهمة للمجتمعات ، فإنها تضع هؤلاء التافيهين” المؤثرين” فوق خبراء الإقتصاد والباحثين الجامعيين والسياسيين ، وأصبحوا محل تمييز عن النخبة الفعلية ، والأخطر أن الإعلام هو من يسوق لهؤلاء وجعل من التافهين مؤثرين ومشهورين .