لم يأت تراجع شعبية تنظيم الإخوان وسقوطهم المدوي فى دول العالم العربى أجمع، خصوصا دول المغرب من فراغ، بل بات وجودهم السياسي والحزبي أمرا محسوما ، سواء فى المغرب أو تونس، أو الجزائر وحتى ليبيا بعد سقوط حكومة السراج التي كانت مدعومة من الأطراف الإخوانية وحلفاؤهم إقليميا ، وخصوصا فى تونس بعدما تفكك حزب النهضة وأصبح وجود الإخوان في المشهد السياسي غير مقبول شكلا وموضوعا…
لا شك أن نهاية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يعتبر نهاية حقبة سوداء عاشتها دول المغرب في العشرية الماضية ، ليصبح العالم العربي سياسياً بلا أحزاب إسلامية تحكم، بل وأصبح الحديث يكثر عن نهاية ما يُعرف بمشروع الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين ، بسبب فترة حكمهم التي إتسمت بالفساد وبالأخطاء السياسية وعدم الإصلاحات وأيضاً بعدم تمكنهم وعجزهم عن حسن الإدارة .. وكذلك القضية متعلقة بفكر الجماعة وعلاقتها بالمجتمعات العربية ، وأيضا عدم تقبل المجتمع الدولي للإسلام السياسي ، وهو ما عجل بسقوط التيار الإسلامي في الإستحقاقات الإنتخابية الأخيرة في بعض دول المغرب العربي …
في المغرب سقط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، ولم يتحصل إلا على 13 مقعدا بالبرلمان ، الذي خسر قواعده الشعبية ومصداقيته لعدة أسباب تهم الشأن الداخلي وأيضاً ما يهم السياسة الخارجية …
من البديهي دخول حزب العدالة والتنمية فى مسألة التطبيع مع إسرائيل والتسويق لها فى مجتمع مغربى رافض أغلبه لهذا القرار ، مع إنسحاب القادة المؤسسين للتيار والصراعات بين قيادات الحزب وجملة الانشقاقات الحاصلة فى الحزب … هى بعض الأسباب التى تجعل الملاحظ يعتبر أن الإنتخابات والنتائج، جاءت كعقاب شعبي للتيار بعدما فشل فى إدارة فترة حكمه بكل من تونس والمغرب، وأما الأسباب الداخلية لهذه التيارات فيمكن حصرها فى التالي: أولا: رغبة شعوب هذه الدول فى التغيير، وعدم الإستمرار فى نفس نهج الحكم السابق وفواعله أحزابا وأشخاصا، التى فى كثير منها إعتمدت على البراجماتية والشعبوية، وتسويق للأوهام ، ثانيا: عدم ثقة الشعوب المغاربية فى هذه الأحزاب وتوجهاتها ، وفى بعض الأحيان تجاوزتها إلى التخوف منها نتيجة للتجربة التاريخية فى الجزائر سنوات التسعينيات، والتخوف من عيش نفس التجربة النابع من الثقافة المجتمعية، التى تربط أي تجربة جديدة للمتطرفين الدينيين بالعنف، وفى الشق الثالث منه والمتعلق بالعوامل الدولية والإقليمية، فيمكن ذكر تغير موقف إدارة بايدن من الإسلام السياسي في سياق تغيرات جيوسياسية في المنطقة ، وخاصة بعد المصالحة الخليجية وعودة العلاقات بين مصر وتركيا والتي أثارت صدمة لدى التنظيم الإخواني العالمي بكل فروعه
أما بالجزائر، ظاهرة تراجع الإخوان فى الساحة السياسية أمر وجب التوقف عندها بالنظر إلى المكانة التى كانت تحظى بها فى وقت ليس ببعيد .. خاصة بعد كل الأحداث الدموية التي حدثت في العشرية السوداء في تاريخ الحزائر والتي لن يقبل الشعب في ظل الصراعات الداخلية للعودة إليها مهما كلفهم الأمر .
فاليوم بحسب النتائج التى تحصلت عليها الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية فى الإنتخابات البرلمانية مثلا فى المغرب، وحالة التخبط التى شهدتها فى تونس بسبب حل البرلمان، والمشاكل التى دخلت فيها حركة النهضة من جراء حل البرلمان والاتهامات الموجهة لها في قضايا خطيرة تهم الإغتيالات السياسية والتمويل الأجنبي ، يمكن إعتبارها مرحلة ما قبل الإنهيار التام.
وفي ما يخص أسباب تراجع أحزاب التيار الإخواني ، فنذكر منها فشل كل من حركة النهضة بتونس و”العدالة والتنمية ” بالمغرب من تحسين الأوضاع، خصوصا بعد أكثر من عقد من الزمن، من أحداث ما يسمى الربيع العربى المطالبة بالديمقراطية والكرامة والتشغيل ، وتحريك عجلة التنمية إلى جانب عدم قدرة أحزاب الحركة فى مواكبة التطلعات والمطالب الشعبية .. ففى الوقت الذي تبحث هذه الأخيرة عن تحسين المستوى المعيشي واللحاق بركب الدول المتطورة، لا تزال خطابات الحركة تركز على خطاب إيديولوجية تثير جدلا وتفرق ولا تجمع ، وعدم الإعتراف بالفشل الذى تعتمده أحزاب التيار الإخواني وسلوكيات بعض نواب أحزاب التيار فى البرلمانات المغاربية، خصوصا فى تونس حين إتسمت بالعنف والمطالبة بالتعويضات لما سموه فترة ” النضال أيام الجمر “بدون وجه حق ، في ظروف مالية وإقتصادية كارثية تعيشها البلاد …
أيضا إرتباط أحزاب التيار الإخواني ببعضها البعض خارج حدود الدولة مع التنظيم العالمي خلق لدى مجتمعات الدول المغاربية عدم الثقة فيها بمفهوم العمالة للخارج وخدمة لأجندات أجنبية ، وخاصة إرتباطهم بالإخوان بتركيا والرغبة في تجربة حزب العدالة والتنمية التي يصفونها بالنموذج ويريدون تطبيقها في دولهم .. وكان هذا مخطط حزب النهضة بتونس.. وفي هذا السياق أنتج تدخل في الشأن المغاربي وخاصة بتونس وليبيا ، والذى لاقى رفضا لفئة واسعة من المجتمعات المغاربية .. لهذا يمكن القول بأن تراجع التيار الإخوانى فى الدول المغاربية لم يكن نتيجة عامل محدد، وإنما كان نتيجة لتداخل عوامل داخلية وخارجية، وأخرى كان التيار نفسه سببا فيها.
وبالتالي يمكن الحديث أو بالأحرى الإستشراف أن الإسلام السياسي إنتهى مغاربيا وإقليميا ودوليا ، وهو يعيش حالة من التخبط خاصة في تونس والتي ظهرت من خلال القرارات التي إتخذها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بتجميد مجلس شورى حزبه وإغلاق مقراته في كامل الجمهورية ، وإعادة هيكلة المكتب التنفيذي للحزب دون الرجوع إلى قواعده وقياداته، إضافة إلى إستقالات عدد كبير من قياداته البارزة وتحميله كل المسؤولية لما حدث ، خاصة بعد التدابير الإجرائية التي إتخذها الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان وسحب كل الإمتيازات والحصانة من نواب الشعب وعلى رأسهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي .
وحتما بعد كل الإحداث في المشهد السياسي بتونس وإنعكاساته على دول المغرب العربي وأيضاً العالم العربي ، يمكن القول أن الإسلام السياسي اليوم في طريقه للنهاية ورجوعه للساحة السياسية بقوته ونفوذه كالسابق أصبح صعبا جداً أو بالأحرى مستحيلا …